انا مش سمكة زينة
وأنا عندي 16 سنة، كنت حاسس إني محبوس في دماغي، مش قادر أعبّر، مش قادر أتكلم، مش قادر ألاقي كلمات توصف كل اللي جوايا. أنا مصري نشأت في بيئة مسلمة وإن كانت مش متشددة، اللي بيتوصف بأنها إسلام وسطي معتدل، مع توقعات أهلي والمجتمع الصغير المحيط بيا مني. خليك شاطر في دراستك، حب أهلك واحترم والديك، وإياك تخرج عن المألوف. خليك عادي وعدي من تحت الرادار.
لكن طول الوقت كنت حاسس إني مش قادر أحقق توقعات أهلي والمجتمع والناس مني. مكنتش قادر أفهم ولا ألاقي كلمات توصف ده، أو كنت بهرب من الكلمات المتاحة لأن كل الكلمات المتاحة عندي وقتها كانت في جوهرها مهينة. سنين مراهقتي الأولى قضيتها بحاول أنكر، أهرب وأكبت أي حاجة جوايا بتقولي أنا مين. بنيت سجن جوا دماغي لنفسي، والنتيجة كانت فترة كئيبة، فترة بتشبه نص المدة بتاعة اللي مروا بتجربة السجن. الأيام بتتكرر بعضها، حزن وكآبة وصراع مستمر مع اللاشيء. كرهت جسمي، كرهت نفسي، كرهت صورتي في المرايا. كأني تبنيت نظرة المجتمع للمثليين والكويرز عموماً، وبصيت بيها لنفسي. كنت أكتر هوموفوب في الدنيا، وكنت أنا أكتر مثلي بكرهه. السنين دي أكلت كتير من صحتي النفسية والعقلية، من احترامي لنفسي. وقتها لجأت للكتابة علشان أعبّر عن نفسي. كتبت قصة قصيرة عن سمكة زينة، وحيدة في حوض صغير على قدها، ألوانها حلوة، بس السمكة نفسها حزينة وحركتها بطيئة. كنت أنا السمكة المحبوسة. حتى وأنا بكتب عن نفسي مقدرتش أوصف نفسي بأني حزين أو مكتئب، لأنني كنت كمان كاره حزني وكآبتي وكاره سجني. العلاج النفسي في ثقافتي كان تابوه. كان للمجانين والمختلين مش لينا إحنا. حالة عامة من الإنكار والتوهم أن كل حاجة كويسة ورثتها من عيلتي وطبقتها على نفسي.
حاولت أدور على علاج أو حل للمشكلة، بس كانت إيه المشكلة؟ حاولت أعصر دماغي: هل تعرضت لتحرش أو اعتداء في طفولتي؟ هل مثلاً علاقتي بوالدي كانت سيئة أو كان غايب تأثيره عليّ؟! كل دي حاجات فكرت فيها ولكن مفيش. كل الأسباب اللي كنت ألاقيها على الإنترنت كانت غير منطبقة عليّ. أومال المشكلة فين؟ طب ممكن الموضوع جيني؟ وبدأت رحلة البحث. المرة دي الكلام اللي بالعربي كان قليل، فقعدت أدور بالإنجليزي. وكانت بالنسبة لي لحظة الصدمة؛ يعني إيه؟ أنا مش مريض ولا مختل ولا منحرف؟ إيه الجنان ده؟ واحدة واحدة الإنكار بدأ يقل والمخ بدأ يشتغل ويفهم. بدأت أفهم إنه عادي فيه اللي بيحب الجنس المغاير وفيه اللي بيحب نفس الجنس. مكانتش رحلة سهلة ولا حاجة حصلت في يوم وليلة. زي ما قضيت أغلب مراهقتي بنزل هويتي وبكبتها وبكره نفسي، قضيت آخرها وأول عشريناتي بحاول أفهم نفسي وبحاول أقبل نفسي، والأهم أحبها. التخلص من خوفي من مشاعري، من هويتي ومن نظرة الناس ليّ مكانش رحلة سهلة. رحلة طويلة ومتعبة، خناقة طويلة بيني وبين نفسي. كنت أنا فيها الجاني والمجني عليه. بس جه الوقت إني أقف في المرايا وأحب نفسي. أبص لصورتي وأنا عندي 16 سنة وقت ما كتبت قصة السمكة وأقول لنفسي: "أنا مش سمكة، أنا مش محبوس، أنا إنسان ليّ أحلام ومشاعر وحقوق". أنا لسه عندي خناقة طويلة، بس المرة دي أنا مش بتخانق مع نفسي، أنا بتخانق مع الستيجما والوصم والكراهية. خناقة أنا فيها أكبر حليف لنفسي. بحب نفسي وبحب حياتي وهعيشها زي ما أنا عايز… وهتعافى من الجراح القديمة.