لم الفخر؟؟
مع كل شهر فخر أو احتفالية كويرية يتساءل العديد من الأفراد غير “الكويريين "لماذا كل هذا الفخر بهوياتكن/م؟؟ أنا لا أحتفل بكوني مغاير/ة!
جوابنا على هذا التساؤل وإن كانت الإجابة عليه واضحة -ولا يوجد ما يدعو للإجابة عليه- لأنه لا يوجد ما يمنعك من الفخر بأي شيء أصلاً. إلا أننا هنا في هذا المقال لا نسعى للإجابة على هذا السؤال وإنما لأن نحتفي جميعاً ونستذكر كل ما نفخر به.
احتفل برحلتي…
ككويرية/ي من الشرق الأوسط، نشأت في نفس المجتمعات المحافظة، في ظل نفس الأفكار السائدة في المجتمع الأكبر حول المثلية والعبور الجنسي والجندري، تشرّبتها بل وحتى اعتنقتها، استمعت لنفس الدروس الدينية حول قوم لوط أو سدوم وعمورة، استخدمت نفس جمل التنمر ونفس الأفكار حول الذكورة والأنوثة والقوالب الجاهزة لدور الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة والحياة، وحين بدأت في استيعاب نفسي وهويتي، أنكرتها، رددت لنفسي كل ما قيل لي، كل ما كنت أُلقَّن؛ ومن ثم حاولت كبت نفسي وحبسها في ذات القوالب التي لا تلائمني، قمعت نفسي بنفسي؛ عنّفت نفسي بنفسي متسلحة بكل العنف الذي يتم ترديده في خطابات الكراهية، ليس من السهل أن يقبل المرء نفسه في عالم يخبره أنه "مش مظبوط" او "عِوِج"، رحلة طويلة يملأها الشتات والحزن بل وحتى كراهية النفس والحياة.
لم يكن الأمر سهل أبداً…
تلك التجربة مشتركة بين أغلب الكويريات/ين الذين أعرفهم، نحتفل من أجل هذه الرحلة الشاقة لنقبل أنفسنا ونفهمها ونتجاوز هذا الشتات وهذا الحزن، والتطهر من الكراهية والغضب، من أجل رحلة حب النفس والسعي للسعادة والسلام التي خضناها، بمفردنا وبدعم محدود جداً -لكنه ثمين للغاية-، نحتفل بأنفسنا وبتجربتنا مهما كانت أليمة وشاقة.
نفخر بهؤلاء الذين ناضلوا من قبلنا…
على مدار عقود طويلة، ناضل حول العالم عدد كبير من الناشطات والنشطاء، ناضلن/وا من أجل حرياتهن/م، وحريات الأخريات/ين، نضالاً طويلاً صعباً، لم يبدأ من ستونوول (Stonewall) فقط، بل بدأ من محاولة الأفراد الكوير في كل مكان وزمان لإيجاد هامش في مجتمعهم ليكونوا أنفسهن/م، بدءاً من الشعر والأدب، رسائل بريدية بين الأحباء، في منازلنا الصغيرة، والنُزُل، في فنادق استرقنا فيها أنفاس من الحرية وقبلات من هوى، نضالنا يبدأ من قبولنا لأنفسنا، إلى مواجهتنا التنمر، وصمودنا رغم الكراهية وقسوة العالم، ويمتد ليصل إلى أكثر أشكال النضال تنظيماً، نضالنا هو كل قُبلة، كل ابتسامة، كل حركة عفوية وجريئة، كلّ علم فخر، أو رسمة على هامش دفتر، أو كلمة تدون هنا أو هناك.
نضالٌ من أجل الحريَة نصطدم فيه بأشخاص وأفكار ومنظومات ومؤسّسات، نواجه فيه أسرنا، أصدقاء وزملاء، معتقدات وفلسفات وعلوم زائفة أو متحيزة، نواجه مجتمعاً كارهاً وشرطةً عنيفة، لم يكن ستونوول سهلاً، كما أنه لم يكن كل شيء.
لم يكن رفع علم الفخر بالقاهرة سهلاً، كان المقابل غالي للغاية، ولم يكن هو كل شيء..
لم يرفع علم الفخر في السودان في العلن قط، وما زلنا نقاوم..
نحتفل بكل دولة تلغي قوانين تجرّم المثلية أو تستحدث قوانين تنظّم العبور وتحديث الأوراق، نحتفل بكل فرد ومجتمع نال حريته، وحقّه في أن يكون كل فردٍ سعيداً، كما نحتفل بأنفسنا وغيرنا ممن مازالوا يناضلون.
فخرنا أقوى من الكراهيةفي كل مكان في العالم وإلى اليوم نستمع لخطاب الكراهية ضد مجتمعاتنا الكويرية، حتى في أكثر الدول التي تعمل على دعم وتمكين وحماية الأفراد الكوير، وفي الدول الناطقة بالعربية الأمر أشد، نستمع لخطاب الكراهية في المنزل، على التلفاز، في الكنيسة والمسجد، في المدرسة والعمل، نسمعه من أقرب أفراد أسرتنا، نسمعه من غريب يسير في الشارع، نقرأه على الإنترنت وفي الصحف الرسمية والمستقلة، كل هذه الكراهية لم تؤدي لاختفائنا، تؤذينا ولكن لن تنهي وجودنا، ليس لدينا جميعا نفس القدرة على الصمود والتحمل لهذا القدر من الكراهية، لهذا نصدح بفخرنا في قدر المتاح، نخبر أنفسنا وأصدقائنا وحتى الكويريات/ين الأخريات/ الآخرين؛ نحن هنا رغم الكراهية، يمكننا تقبل أنفسنا في ظل هذه الكراهية، يمكننا مواجهة الكراهية بالفخر، بالطبع يمكننا.
شهر الفخر ليس مجرد احتفال، بل هو ثورة مستمرة ضد الظلم والتمييز. كنا هنا، وفي كل مكان، وسنظل هنا وفي كل مكان…التنوع سمة الحياة.