لانا تكتب: دسّ السُّم في الرّينبو


بالرُّغم من محاولة محو التّاريخِ الفنّيِّ والسّينمائيِّ في السّينما المصرية من خلال لقطاتٍ أو مجرّد كلامٍ محذوفٍ أو تمَّ اقتصاصُه، لأنّ شخصًا ما يرى أنّ تلكَ اللّقطات أو تلك الألفاظ مخالفةٌ لقِيمٍ وهميّةٍ ما، قام بابتداعِها تحت مظلّة "الفنّ المحترَم" بما أنّه يرى الفنَّ كشيءٍ خليعٍ؛ إلّا أنّ السّينما المصريّة والأعمال الدّراميّة منذ الأزل لطالما قدّرت الفنّ وطرحت العديد من القضايا. إحدى هذه القضايا الّتي طرحتها هي قضية "المثليّة الجنسيّة"، وبالرّغم من أنّ الكثيرَ من تلك الأعمال قامت بطرحِ المثليّةِ والأشخاص المثليّين بطريقةٍ سلبيّةٍ وتنمُّ عن الجهل والاعتقادات الخاطئة، إلّا أنّ البعض يظنُّ أنّه على الأقل كان هناك ظهورٌ للمثليّة والأشخاص المثليّين ولم يتمّ محوُ تواجدهم بالكامل أو تمّ تجاهلهم.

تمّ عرض قضايا المثليّين بطريقةٍ سلبيّةٍ ومغلوطةٍ في الكثير من الأعمال الفنّيّة وخاصّةً السّينمائية، فمثلًا، كان ينتهي الأمر بالنّسبة للأشخاص المثليّين بالقتل أو الانتحار في تلك الأعمال، كأنّ تلك هي العدالة الإلهيّةُ المُستَحقَّةُ لهم، أو عرضهم في صورة الأشخاص الأشرار الخبيثين ذوي التّأثير السّيّء والمؤذي على من حولهم. لم يتمّ إظهار تلك الشخصيات بطريقةٍ إيجابيّةٍ والتعامل معها ومناقشتها كأمرٍ طبيعيٍّ غير مرضي،  أو إدراج أيّ بحثٍ أو نظريّةٍ لتغيير رؤية المجتمع لهم.

من بعض تلك الأعمال الفنيّة  

تمّ تقديم أوّل شخصيّة مثليّة في فيلم (الطّريق المسدود) للمخرج صلاح أبو سيف عام ١٩٥٧، وقامت بأداء الشّخصيّة ملَك الجمل. كانت تعمل كمدرّسة وكانت معجبةً بفاتن حمامة، وتمّ إظهار ذلك عن طريق بعض العبارات والنّظرات واختيارات الملابس، وإظهار الشّخصيّة دون التّطرُّق لأيّ شيءٍ آخر من أسباب أو إصدار الأحكام.

في بداية فترة السّبعينات و هي الفترة الّتي تُعتبر فترة الانفتاح في السّينما في مصر ولبنان وتونس وعلى مستوى العالم؛ وفي وجود مساحةٍ أكبر قليلًا لوجود شخصيّاتٍ مثليّة، كان هناك فيلم (المتعة والعذاب) ١٩٧١ للمخرج نيازي مصطفى، حيث لعبت شمس البارودي دور فتاةٍ تنجذبُ للفتيات وتكره الرّجال بسبب والدِها، وكانت حبيبتها الممثّلة رضوى عاشور، وتمّ التّعامل مع المثليّة هنا كمرضٍ نفسيٍّ له أسبابه وأمرٍ عارضٍ ينتهي عند وجود الرّجل المناسب.

واحدٌ من أكثر الأفلام جدلًا في تاريخ السّينما العربيّة والمصريّة، وأكبر فيلمٍ تمّ فيه تقديم شخصيّة مثليّة الجنس بطريقةٍ صريحةٍ وواضحة، كان فيلم (حمّام الملاطيلي) عام ١٩٧٣ للمخرج صلاح أبو سيف، حيث لعب يوسف شعبان دور رسّامٍ مثليّ الجنس أراد مساحةً من الحرّيّة الخاصّة به دون تدخُّل المجتمع في حياته الخاصّة، و كانت هناك مواقفٌ وجملٌ من بعض الشّخصيّات المشاركة في الفيلم كعبارة  "توب علينا يا رب" لإظهار أنّ ما يفعله هذا الشّخص هو ذنبٌ وأمرٌ محرّمٌ ومرفوضٌ اجتماعيّاً، حتّى لو كان كل ما يطلبه الشّخص هو عدم تدخُّل الآخرين في حياته.

كان هناك بعض التّقدُّم ولو كان بسيطًا في فيلم (جنون الشّباب) ١٩٧٥ للمخرج خليل شوقي، والّذي لعبت فيه سناء يونس دور مثليّة الجنس، وهذه المرّة كانت هناك علاقة حبّ بينها وبين صديقتها، ولكن تتركها صديقتها لتتزوّج بأحد أقربائِها، وينتهي الفيلم بانتحار سناء بعد صراعها مع تقبُّل ميولِها؛ وهنا المخرج  ترك الأمر مفتوحًا لأسباب هذا الانتحار، فالمشاهد يتساءل هل هذا الانتحار بسبب عدم تقبُّل المجتمع والّذي لم تستطِع سناء أن تتعايش معه أم بسبب الحبّ؟ وهل كانت هذه النّهاية للتّعاطُف مع الشّخصيّة أم هذا أمرٌ حتميٌّ كعقاب؟

كان أحد أشهر الأفلام أيضًا فيلم (قطّة على نار) ١٩٧٧ للمخرج سمير سيف، وكانت فيه تلميحاتٌ لعلاقةٍ بين نور الشريف في الفيلم وصديقه عزّت الّذي ينتحر في النّهاية بعد أن يكتشف نور خيانة عزت مع رجل، وتلك التّلميحات لم يكُن واضحًا إن كانت لوجود علاقةٍ بينهما أو أنّ عزّت انتحر لأنّ صديقه المقرَّب عرف حقيقة مثليّتِه؟

في نهاية السّبعينات اختُتِمت تلك الفترة بفيلمين، الأول (رحلة داخل المرأة) ١٩٧٨ للمخرج أشرف فهمي ويُظهر الفيلم تلك المرأة العصريّة ذات المكانة المرمُوقة في المجتمع، والّتي تمارس الجنس مع النساء وتتّجه إليهم لأنّ زوجها يخونها. وهناك الفيلم الأشهر في تقديم الشّخصيّة المثليّة أيضًا وفي نفس العام، فيلم (الصُّعود إلى الهاوية) للمخرج كمال الشّيخ، فيلم لمديحة كامل وإيمان، وهنا تمّ ربط مشاهد المثليّة مع الجاسوسيّة لإظهار مدى سوء هذه الجريمة واستغلالها كوسيلة إغراءٍ لخيانة الوطن.

لم يتمّ التّطرُّق لأمر المثليّة في الثّمانينات كثيرًا، ربّما في فيلمين أو ثلاثة، ولكن وسط إطار أمورٍ أخرى كالدّعارة؛ ولكن عاد ظهور تلك الشّخصيّات في التّسعينات في فيلمٍ يُعتَبر إيجابيًّا بعض الشّيء، وهو فيلم (مرسيدس)  ١٩٩٣ للمخرج يسري نصر الله، وتمّ فيه تقديم الشّخصيّة المثليّة بطريقةٍ مختلفةٍ، وإظهار الاحترام مع قليلٍ من الواقعيّة لفكرة المثليّة ولتلك الشّخصيّات، الّتي ظهرت في علاقة حبٍّ بين رجُلَين (مجدي كامل وباسم سمرة)، برغم أنّ في نهاية الفيلم مات أحدُ البطَلَين بعد أن صدمَتهُ سيارةُ مرسيدس، إلّا أنّ المخرج قام بعرض الشّخصيّتَين بدون أيّة مزايداتٍ أو أحكامٍ عليهما، وتعاملَ مع المثليّة بطريقةٍ طبيعيّةٍ، وأظهر أنّه لا يجبُ أن يكون الحبُّ بين طرفَين مُغايرَين كما يريده الغالبيّة أحيانًا.

الفيلم الأكثر جدلًا والأكثر جهلًا، فيلم (عمارة يعقوبيان) ٢٠٠٦ للمخرج مروان حامد، حيث تمّ عرض المثليّة الجنسيّة بطريقةٍ سلبيّةٍ من كلِّ النّواحي تقريباً، تمّ إرجاع مثليّة الصّاوي لما حدث له وهو صغير من اعتداء الخادم وإهمال الأبوَين، مع استغلالِه لظروف باسم سمرة لجذبِه لممارسة الجنس معه، و في النّهاية بقتله كعقابٍ شرعيٍّ على أفعاله، وموت ابن باسم سمرة كعقابٍ إلهيٍّ لما فعله والده.

ما بين عام ٢٠٠٧ حتّى ٢٠١٤، تمّ طرح المثليّة في إطار الاستغلال الجنسيّ والدّعارة كما في فيلميّ (حين ميسرة) ٢٠٠٧ و(هزّ وسط البلد) ٢٠١٤؛ أمّا في فيلم (أسرار عائليّة) ٢٠١٣، ظهرت شخصيّة رجلٍ مثليّ الجنس بشكلٍ صريح، وفي النّهاية تمّ التّعامل مع المثليّة كمرضٍ يمكن علاجه وله أسبابه في ما حدث من اعتداء أخيه عليه في صِغره.

كانت هناك بعض الواقعيّة في فيلم (طول عمري) ٢٠٠٨ للمخرج ماهر صبري، ولم يتمّ عرض الفيلم على شاشات السينما، و تحدّث الفيلم عن مشاكل المثليّين في مصر وكان مخصّصًا لحادثة الكوين بوت وعرضَ ما يلجأ إليه المثليّون في النهاية مضّطرين من هجرةٍ أو إخفاء هويّتهم وميولهم عن النّاس والمجتمع.

وفي فيلم (رسائل البحر) ٢٠١٠ للمخرج داوود عبد السيّد، عرض دور فتاة مزدوجة الميول الجنسيّة وفتاة مثليّة دون التّطرُّق لأيّة أسبابٍ أو عقابٍ أو إصدار أحكامٍ، بل جعلها كقصّةٍ عاديّةٍ في الفيلم وكحرّيّةٍ للفرد في اختيار حياته العاطفيّة والجنسيّة.                                                                                                                                                        

تمّ عرض المثليّة الجنسيّة أيضًا في بعض الأعمال التّلفزيونيّة

مسلسل "واحة الغروب" للمخرجة كاملة أبو ذكري الّذي عُرض في رمضان ٢٠١٧، و فيه تحتضن "مليكة" "كاثرين" بطريقة تعبّر عن رغبة جنسيّة، و كان من كاثرين ردّ فعل الاعتداء بالضّرب على مليكة مع ترديد جملة "أنا مش كده"، بالرّغم أنّ في نسخة رواية "واحة الغروب" للمؤلّف بهاء طاهر، حدثت بالفعل تلك العلاقة بين "كاثرين" و "مليكة".

مسلسل "لا تطفئ الشّمس" في رمضان ٢٠١٧ للمخرج محمد شاكر خضير، كانت هناك مشاهد صريحة تكشف عن وجود علاقة مثليّة جنسيّة بين أمجد ونادر من شخصيّات المسلسل، وظهرت حقيقة العلاقة المثليّة الجنسيّة السّرّيّة بين «نادر» و«أمجد» أثناء تواجدهما فى إحدى الحفلات، حيث رأى «نادر» صديقه «أمجد» وهو يقف بصحبة صديقٍ آخر ويتبادل معه الحديث والضّحكات، مما جعله يشعر بالغيرة فتركه وغادر الحفل بصحبة زوجته، وحاول بعدها «أمجد» الاتّصال به، وأوضح له أنّه يحتاجه بشدّة وأنّه يجلس وحيدًا بالمنزل ويريد منه التّواجد بجانبه.


اقرأ أكثر:

Mesahat Foundation